الخميس، 29 ديسمبر 2016

أزمة الإفلاس الفكري ... أــ هشام ذياب المصعدي

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏


أزمة الإفلاس الفكري ... أــ هشام ذياب المصعدي
الحلقة الخامسة (( مادام تفكيرنا إيجابياً .. فمن أين تُغزى السيادة)) ؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 تُغزى السيادة حينما تُحكم حلقة الفقر المفرغة انغلاقها على الناس, فلقد تبين لنا فيما سبق بأن الأزمات الاقتصادية يمكن لها أن توقف النبض في حياة بعض الناس ولكنها لا تستطيع أن توقف العقول عن التفكير وخصوصاً ذلك التفكير الإيجابي الذي يرتبط بالسيادة, وبالتالي قد يقول قائل بأن هذا تناقضاً مع غزو السيادة من حلقة الفقر المفرغة, ولذلك نقول له بأن هذا الأمر ليس تناقضاً أبداً, لأن حلقة الفقر المفرغة تبدأ بالجهل الذي يمنع التفكير, أو على الأقل يجعله تفكيراً سلبياً, فحلقة الفقر المفرغة تتكون من مجموعة من العوامل التي تتعاضد فيما بينها لتضغط على جميع الكيانات (دول, مجتمعات, شركات, أسر, أفراد ....الخ) وإلى الحد الذي يعتقد معه البعض بأن الحل يكمن في تقديم التنازلات السيادية أو المزيد منها, ومن ثم سوف نقدم توضيحاً للآلية التي تعمل بها هذه العوامل ضمن إطار ما يُسمى بحلقة الفقر المفرغة, والتي تتكون مما يلي :

أولاً : الجهل ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 يؤثر الجهل تأثيراً بالغاً وكبيراً بمداه العميق, والذي يصل إليه في كل شيء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, فهو لا يُميز بين الفعاليات والسلوكيات (السياسية, والاجتماعية, والاقتصادية, والثقافية ...الخ), لأنه لا يحجب فقط رؤيا حقيقة الأشياء أمام بصير الإنسان , بل يحجب الرؤيا عن بصيرة العقل الذي يترجم ويُفسر الصور التي توجد بها أو عليها حقيقة الأشياء أمام الناظرين إليها, فالجهل سراباً يُخيم على كل الاتجاهات وبشكل يمنع كل المحاولات والأفعال لدرء المفاسد أو المخاطر ويمنع أيضاً كل الجهود المبذولة لجلب المنافع والمصالح.
 فالأطراف أو الكيانات القوية (سياسياً, أو اقتصادياً, أو ثقافياً, أو عسكرياً ....الخ) تحاول دائماً تفسير واقع الأشياء على غير حقيقتها, من خلال فلسفة هذه الأشياء بطريقة تزور كل الحقائق التي قد تفضحهم أو تحول دون تحقيق مصالحهم في الوقت الذي لا تملك فيه الكيانات الضعيفة بجهلها أي حيلة سوى تصديق هذه المزاعم, بل والعمل على أساسها على الرغم من وقوع كل النتائج السلبية على رأس الكيانات الضعيفة بشكل دائم ومستمر وإلى أبعد مما يمكن تسميته بالاحتلال كنتيجة حتمية للتقدم التكنولوجي في الحضارة المادية المعاصرة بخطواته السريعة التي يمكن تشبيه سرعتها أو وصفها بلمح البصر, ومن أهم الصور التي تجلى بها هذا التقدم التكنولوجي ما يُسمى بالثورة العلمية في القرن العشرين وخصوصاً في مجال المواصلات و الاتصالات من خلال شبكة المعلومات التي لم تعد تخشى الحدود ولا تعترف بجوازات المرور, لأن الطريق الذي تسير فيه ليس الأرض, بل الفضاء الخالي من العوائق لتنزل بعدها على أرض العقول أولاً قبل أن تنزل في أي أرض أو أي مجال جغرافي والنتيجة الحتمية هي سقوط الكيانات الضعيفة في مستنقعات المسخ الثقافي والفكري مع الوقوع في معتقلات التبعية بكل صورها (السياسية, والاقتصادية, والعسكرية ... الخ), وهذه التبعية لم تأتي إلا عن طريق الجهل المسيطر على التكوينات واللبنات في البناء الاجتماعي الكلي (سياسياً واقتصادياً , وثقافياً ... الخ) للكيانات الضعيفة من خلال الجهل المتوارث من الأجيال السابقة أو من خلال ما هو أخطر من توارث الجهل لأن الجهل الذي تُعاني منه الأجيال الحالية قد أصبح جهلاً مركباً, ولذلك استطاعت الكيانات القوية (المالكة لمقومات الحضارة المادية) إقناع الكيانات الضعيفة والجاهلة بالصورة المزيفة لحقيقة التنازلات عن السيادة والدخول في دوائر التبعية.فالاحتلال كان هو الطرف الأقوى, حيث اعتمد على قوته العسكرية في انتهاك سيادة الآخرين, ولكنه لم يقل أبداً بأنه مُحتل, بل كان يُسمي نفسه بالاستعمار وهذا المصطلح يُفسر على أنه مُشتقاً من كلمة إعمار أما استغلاله لخيرات البلدان التي يستعمرها ما هو إلا نوع من أنواع تعليم هذه الشعوب لكيفية استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة والمتوفرة في هذه البلدان, ولقد حاول الاستعمار أن يُدلل على مزاعمه هذه من خلال نقله لبعض مظاهر القوة في الحضارة المادية المعاصرة إلى هذه البلدان ومن خلال البعثات التعليمية لبعض أبناء هذه الدول ليعود الكثيرين منهم على شكل عملاء تابعين بطريقة مباشرة أو على الأقل بطريقة غير مباشرة, وبعبارة أخرى أكثر تأدباً يصبح هؤلاء الطلاب سفراء غير مُعلنين فيغزون غيرهم بما يُسمى التحرر من عبودية العادات والتقاليد والمعتقدات التي تؤمن بها شعوبهم فيصورون هذه المعتقدات والعادات والتقاليد على أنها هي السبب وراء ما تُعانيه شعوبهم من التخلف, وبالتالي فإن من يُريد تحقيق التقدم يجب عليه أن يترك هذه المعتقدات والعادات والتقاليد, لأنها تُمثل صورة من صور الرجعية ومن ثم تتحول هذه الكيانات الضعيفة إلى كيانات تابعة في زمن التواجد العسكري على الأرض وفي زمن خروجه عسكرياً من هذه البلدان, كنتيجة حتمية لعدم تمسك هذه المجتمعات بهويتها الثقافية وثوابتها العامة وخصوصاً تلك الثوابت الأخلاقية, ولذلك كانت التبعية أو العمالة كصفة تقتصر فقط على كل من يتعاون مع الاحتلال في زمن تواجده العسكري على الأرض أو تواجده في إطار نظام الوصاية, إلا أن هذا النوع من التبعية يمكن معالجته من خلال النضال المستمر من أجل التحرر ونيل الاستقلال على الرغم من عدم اندمال جروحه بسرعة كبيرة.
 أما تبعية اليوم فلا علاقة لها بالتواجد العسكري للمحتل ولا بنظام الوصاية لأنه تبعيةً مُستمرة حتى بعد الحصول على الاستقلال, لأن الكيانات الضعيفة قد اعتادت على العديد من الخدمات التي كان يقدمها المستعمر, وخصوصاً تلك الخدمات التي يُعتمد عليها في استثمار الموارد الاقتصادية, ومن ثم وحتى لا تصطدم الحكومات الوطنية بشعوبها بسبب عجزها عن تقديم تلك الخدمات التي قد تعودت عليها شعوبها, تلجأ هذه الحكومات إلى طلب عودة المستعمر من جديد بسبب التبعية التكنولوجية وبالتالي تتمكن الكيانات القوية من استغلال الموارد الاقتصادية للكيانات الضعيفة ولكن بدون أي خسائر عسكرية أو اقتصادية أو سياسية قد تقع على عاتق الكيانات القوية, وهذا يعني أنها سوف تستورد المواد الخام بأقل الأسعار وستعيد تصديرها عل شكل سلع وخدمات تامة الصنع بأعلى الأسعار, ومن ثم فالتبعية لم تعد سمةً خاصة بالكيانات الدولية أو بالأنظمة السياسية فقط, بل هي عبارة عن منظومة شاملة في كل كيان له سيادة ابتداءً بالدولة والنظام السياسي لينتهي في كل التكوينات المختلفة (الأحزاب السياسية, والنقابات المختلفة, وحتى الأسرة أو الفرد), ولذلك فإن أي علاقة من أي نوع بين أي كيانين أحدهما يمتلك القوة بكل مقوماتها وخصوصاً المعرفة العلمية, والأخر لا يمتلك أي نوع من هذه المقومات سوف تصبح بمثابة علاقة تبعية بين الضعيف وبين القوي, وهي دائماً لصالح القوي فقط وبشكل مُستمر, لأن الضغوط التي يمارسها الأقوياء على الضعفاء في ظل الجهل المخيم عل الضعفاء, يجعلان من الضعيف لا يملك أي حيلة من أي نوع سوى تقديم التنازلات تلو التنازلات السيادية مقابل الحصول على أقل القليل مما هو ضروري للبقاء على قيد الحياة, فالجاهل لا يأكل ليعيش, بل يعيش ليأكل لأنه عاجز عن زراعة أو صناعة لقمة العيش بسبب الجهل, وإن أسعفته الأقدار ببعض المعارف فهي غير كافية أو غير قادرة على إنتاج متطلباته الضرورية أو غير الضرورية, وحينما تقع مثل هذه الأحداث لا تجد السيادة مكاناً لها في أي مساحة من مساحات التفكير, لأن العقل البشري حينما يُعتقل في معتقلات الجهل ينحصر تفكيره فقط في البحث عن لقمة العيش من خلال ترديد .. ((ماذا تُريد مني يا سيدي أن أفعل كي تجود عليِّ بلقمة العيش)), لأن الإنسان الضعيف بجهله يرى فقط بأن الإنسان القوي بعلمه هو من يمتلك القدرة على أنتاج لقمة العيش والعياذ بالهـ .. (( الجوع كافراً , وكاد الفقر أن يكون كفرا)).
............
بقلم
الكاتب والشاعر هشام المصعدي
2 / 7 / 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق