الخميس، 29 ديسمبر 2016

أزمة الإفلاس الفكري ... أــ هشام ذياب المصعدي


أزمة الإفلاس الفكري ... أــ هشام ذياب المصعدي
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلقة الثانية ... (( مفهوم الإفلاس الفكري ونشأته))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*** ماهية الإفلاس الفكري ...
 لما كانت المشكلة أو المشاكل هي عبارة عن حالة من عدم الاتزان أو حالة من الاختلال الذي يستلزم بالضرورة العودة إلى حالة الاتزان, أو قد تكون الرغبة في الانتقال من وضع الاتزان الحالي إلى وضع اتزاني جديد يفضل سابقه من حيث الكفاءة بحسب التقدير الخاص أو الذاتي لكل كيان (دولة , مجتمع , فرد ....الخ), فإن حل المشكلة يبدأ بتحديد المشكلة ذاتها تحديداً دقيقاً من حيث إطارها الزماني والمكاني والموضوعي , مع تحديد مدى تأثرها وتأثيرها على وبكل الفعاليات المرتبطة بأداء كل الأنشطة الإنسانية, ثم تحديد البدائل المتاحة والممكنة من الحلول, ثم دراستها وتحليل هذه البدائل والمقارنة فيما بينها من أجل اختيار البديل الأمثل والأكفاء , من حيث إمكانية التطبيق وما يحتاجه البديل من تكاليف خاصة بتطبيقه.
وعلى هذا الأساس يمكن وصف الإفلاس الفكري لا تعريفه على النحو التالي ...
 ((الإفلاس الفكري هو العجز عن تحديد المشكلة أو المشاكل التي نعاني منها مع العجز عن تحديد أبعادها الزمانية والمكانية والموضوعية , ثم عدم القدرة على تحديد بدائل الحلول المتاحة والممكنة , أو الفشل في اختيار الحل الأمثل والأكفاء من بين البدائل المتوفرة أو الفشل في تطبيقه على أرض الواقع))

*** سبب نشأة الإفلاس الفكري ....
تحدث هذه الأزمة بسبب وجود منظومة متكاملة من الأسباب , إلا أن السبب الرئيسي يتمثل في انعدام المبادئ الأخلاقية أو عدم وضوحها لبعض الكيانات أو حتى عدم الالتزام بها من قبل بعض هذه الكيانات.
 فمن المعروف بأن الظروف المحيطة بأي كيان (دولة , مجتمع , فرد ....الخ) وبالذات الاقتصادية منها تؤثر تأثيراً بالغاً على السلوك البشري, الذي يتألف في مجملهِ مما أُكتسب في هذه البيئة من معتقدات وقيم و خبرات وعادات وتقاليد, ولذلك حينما يعاني أي كيان من ضغوط اقتصادية شديدة في ظل انعدام الأسس الأخلاقية أو عدم وضوحها أو عدم الالتزام بها من قبل بعض الكيانات, فإن النتيجة هي ظهور شكل جديد من السلوك الإنساني أو على الأقل نمطاً مغايراً لما كان سائداً عليه سابقاً, لأن هذا السلوك المستحدث سوف ينطلق من قاعدة لا أخلاقية تتمثل في ((الغاية تُبرر الوسيلة)) .. حتى وإن لم تُعلن هذه القاعدة كشعار, لأن الغالبية العظمى من الناس يُدافعون مسبقاً عن شخصياتهم وفقاً لآلية إسقاط السلوك على الجميع, وبالتالي يصبح الدافع المحرك للفعل أو حتى لرد الفعل مجرد مجموعة من الرغبات البسيطة وأحياناً الدونية, فيتم تبرير مثل هذا السلوك السلبي من منطلق أمرين .. هما
11 ) أن مثل هذا السلوك يعتبر سلوكاً سائداً بسبب تكراره وعدم إنكاره من قبل المجتمع, كما هو حادث مع ظاهرة الرشوة أو الغش في الامتحانات في بلادنا.
2 ) اعتبار أن الرغبات المحركة لمثل هذا السلوك أمراً مفروضاً من قبل الحياة المادية المعاصرة.
 وبالتالي أصبح كل ذلك أداة بيد الكيانات القوية تستخدمها في ترويض الكيانات الضيفة على المستويات الكلية (الدولية) أو الجزئية (المحلية) من خلال تطبيق ما يُسمى بسياسة العصى والجزرة, والتي تطورت إلى تطبيق سياسة العصى فقط, والتي تطورت بدورها مع استحداث بعض المتغيرات الدولية إلى سياسة سمن كلبك ثم جوعه ليتبعك كيفما تشاء, فالحياة صراع قوي بين جميع الكيانات والبقاء فيها للأقوى, ومن ثم فإن من يؤمن بهذا المبدأ شعاراً أو سلوكاً تتحول الأخلاق لديه إلى مجرد كلمات مثالية ليس لها وجود على أرض الواقع.
*** مما سبق ما هي المحفزات التي أدت إلى قتل ووأد الأسس الأخلاقية في حياة الناس ثقافةً وسلوكاً؟
 هذه المحفزات تتمثل في أنانية السلوك الفردي والمصلحة الفردية والأدهى والأمر من ذلك هو ظهور الكثير من النظريات الاقتصادية والاجتماعية , بل والفتاوى الدينية التي تبرر تلك الأنانية تحت مُسمى الحق المكتسب أو الحق الشرعي, من خلال التعسف في استخدام ذلك الحق, وهذا لا يعني أبداً بأننا ننكر على الفرد حبه لنفسه ولمصلحته لأنها تُمثل الدافع الحقيقي وراء كل ما يقوم به الفرد, ولكن حينما يتحول الفرد إلى شخص أناني لا يرى في هذا الوجود غير نفسه ومصلحته, فهو الآن لا , ولن يكتفي بالإنكار على الآخرين مصالحهم المشروعة وسعيهم المشروع وراء تحقيقها, بل سيذهب إلى ما هو أبعد وأخطر من ذلك , لأنه سينكر حق الآخرين في البقاء على قيد الحياة تحت مُبرر أنهم مجموعة من الأفواه الباحثة عن الطعام في مجموعة من الأجساد العاجزة عن الإنتاج, والتي قد تلجأ للحصول على لقمة العيش بأساليب غير مشروعة أقلها التسول, وهذا سيكون ضمن القاعدتين اللتان تقولان ...
** الهجوم خير وسيلة للدفاع.
** الشك أساس اليقين.
 وبالتالي تتحد الكيانات القوية بشكل كلي أو جزئي لأنها ترى في ضرورة بقاء الكيانات الضعيفة على ما هي عليه ضماناً أو شرطاً أساسياً لمنع أي تهديد قد يقع عليها أو على مصالحها من قبل هذه الكيانات الضعيفة, وهذا لن يتحقق إلا بمنع أو عرقلة الكيانات الضعيفة من ممارسة التفكير على كل المستويات وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة إن جاز لنا تسميتها بذلك, بدليل تطور الاحتلال العسكري إلى الاحتلال بالتبعية.
 *** إذاً ما هو الحل لمعالجة الشعور القاتل أو على الأقل المانع لإحياء المعاني والقيم الأخلاقية, التي تؤلف في مجملها ما يُسمى بالهوية الثقافية للمجتمعات والأمم؟
 .. إن فرض السيادة الخاصة بكل كيان وحمايتها والحفاظ عليها هي الطريقة الوحيدة لمعالجة مثل هذا الشعور السلبي, لأن هذا الشعور يُمثل نوعاً من الانتحار الذاتي لصالح الغير وليس الموت على أيادي الغير, وسوف نوضح ذلك في الحلقات القادمة.
............
بقلم 
الكاتب والشاعر هشام المصعدي 
27 / 6 / 2014 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق