** التفكير .. في أبسط صوره هو عبارة عن نشاط ذهني يقوم به الإنسان من أجل اكتشاف الحقيقة أو حل مشكلة أو تحقيق هدف أو تعميم صورة.
** إن القصد من السؤال الخاص حول كيفية التفكير يتمثل في تحديد الأساس الذي يجب أن نعتمد عليه حينما نفكر , ومن ثم إذا أردنا أن نفكر يجب علينا أن نستند إلى هويتنا الثقافية من جانب مع الالتزام بمبدأ الإيجابية وليس سواه من جانب أخر, لأن التفكير المحايد لا وجود له فيما يخص السيادة أو الحفاظ عليها ((فإما أن تكون إيجابياً أو أن تكون سلبياً))
فمن المعروف أن لكل أمة هويتها الثقافية التي تميزها عن سائر الأمم ــ أفنى الآباء والأجداد (الأجيال السابقة) حياتهم من أجل ترسيخها نظرياً وسلوكياً في هذه الحياة, لذلك فإن التواصل بين هذا الجيل أو أي جيل مع الأجيال السالفة (السابقة) قد أصبح أمراً ضرورياً وحتمياً, حتى يتمكن هذا الجيل, وغيره من الأجيال القادمة من معرفة الهوية الثقافية لأمته كي يجعلها أساساً فكرياً في كل أعماله, فلكل أمةٍ أخلاقها وخصوصياتها (هويتها الثقافية), والتي يجب عدم نسيانها أو تناسيها أو حتى تجاهلها عند التواصل والحوار أو حتى الصراع والاصطدام مع أي ثقافة أو حضارة أخرى, فنحن مازلنا متخلفون بسبب عدم امتلاكنا لمقومات الحضارة المادية المعاصرة, ولذلك لن نصبح أقوياء في عشية وضحاها في ظل جهلنا بهذه المقومات, كما أننا قد نصبح أكثر ضعفاً إذا ما تخلينا عن هويتنا الثقافية, لأن الجهل بهويتنا الثقافية سوف يجعل منا أمةً تنتحر, وكمن يهرب من الموت إلى الموت بنفس أسلوب النعامة التي تدفن رأسها في الرمال عندما تحس بالخطر, ومن ثم فهي لا تقاوم الخطر الذي تخشاه, كما أنها لا تهرب منه, فيصبح هروبها هروباً وهمياً, وبالتالي لا تفيق من سباتها إلا وهي تلفظ أناسها الأخيرة, لأن عدوها يكون قد نهش مصف جسدها, أما إذا أسعفها القدر بفرصة أخرى في الحياة, فإنها قد تعيش ولكن بدون أقدام وسوف تصبح لقمة سائغة لمفترس أخر في المستقبل, لذلك فإن التواصل بين الأجيال هي الوسيلة الوحيدة حتى لا يُصاب جيلنا الحالي أو الأجيال القادمة بالشتات الفكري أو التشرذم الفكري بسبب الاستنساخ الفكري المحلي أو التهجين الفكري الخارجي, لأن الأصل هو التواصل بين أبناء الأجيال المختلفة لنفس الأمة وليس التكاثر حتى لا يُصاب هذا الجيل بالجهل أو العجز عن تحديد أهداف فعالياته المختلفة (سياسياً, واقتصادياً, وثقافياً, واجتماعياً, ....الخ) ومن بعد ذلك يأتي التواصل مع الحضارات الأخرى, وبالتالي إذا ما عرفنا الهوية الثقافية لأمتنا حق المعرفة وحافظنا عليها بكل صدق سوف نصنع ما يُسمى بالمصفاة الثقافية, التي تسمح بمرور ما يمكن الاستفادة به من مقومات الحضارة المادية مع عدم رفض كل ما هو قادم إلينا من جانب, كما سنستطيع تحقيق التوازن الفعلي بين حضارتنا الأخلاقية والحضارة المادية المكتسبة من جانب أخر.
فالمنطلق هو أننا لسنا الوحيدين في هذا الكوكب ولا نستطيع أيضاً أن نعيش بشكل معزول عن العالم الخارجي أو بدون التعاون معه, كما أننا لا نرضى أن نصبح تابعين للغير مهما كان الأمر, وهذا يعني أننا نتشارك مع الآخرين في تحقيق المصالح المشتركة, بشرط الحفاظ على سيادتنا وهويتنا الثقافية.
(( من يفقد قدرته على التفكير سوف يفقد سيادته ومن يفقد سيادته سوف يفقد لقمة عيشه ومن يفقد لقمة عيشه سوف يفقد حياته بكل معانيها في النهاية)). أ ــ هشام ذياب المصعدي
(( إن من لا يفكر تفكيراً إيجابياً لا شك أنه يفكر تفكيراً سلبياً لأن التفكير المحايد لا وجود له فيما يخص السيادة أو الحفاظ عليها)). أ ــ هشام ذياب المصعدي
لذلك يجب أن يكون تفكيرنا تفكيراً إيجابياً حتى نستطيع أن نحافظ على سيادتنا, ومن ثم يجب علينا أن نتعرف على ما يلي :
** مستويات التفكير ....
** التفكير الإيجابي ....
أولاً : ما هي المستويات المختلفة للتفكير ....
1 – المستوى الأول للتفكير .. (التفكير العلوي أو الفوقي) ....
يتمثل أو يتجسد التفكير العلوي أو الفوقي في مجموعة الأفكار التي يرتبط بها أو من خلالها الإنسان مع الخالق عز وجل, ويعتبر هذا التفكير هو أرقى أنواع التفكير الإنساني لأنه ينأى بالفكر بعيداً عن الرغبات والمصالح والعواطف المشوبة بأي شوائب, لأن الإنسان لا يطمع بأي شيء سوى رضاء الخالق عنه, ومن ثم فهو يتركز في كل ما يُجسد الاعتراف بالعبودية لله وحده سبحانه وتعالى لأنه الخالق.
2 – المستوى الثاني للتفكير .. (التفكير العقلي أو التحليلي) ...
يعتبر التفكير العقلي أو التحليلي أقوى أنواع التفكير البشري الذي يتناول الحياة وكل فعالياتها المؤثرة والمتأثرة بمستوى معيشة الإنسان ترجمةً وتفسيراً فالإنسان هو أداة التغيير وهدفه في آن واحد, وبالتالي فإن هذا النوع من التفكير لا يعتمد أو يستند على العواطف أو ردود الأفعال أو الرغبات وإن كان لا يهملها, لأنه يعتمد على جمع البيانات والمعلومات عن كل الظواهر والفعاليات والإمكانيات والقدرات والكفاءات (المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة في معادلة رياضية تُسمى دالة الهدف), ولذلك يتم تبويب وجدولة ودراسة تلك البيانات والمعلومات بشكل دقيق ثم استنتاج حجم الأثر والتأثر المتبادل وتحديد اتجاهاته وتواتر معدلات نموه من خلال العلاقة بين المتغيرات ومن ثم تأليف ألوان طيف الفعل بشكل مباشر وغير مباشر, لأن الفعل حينما يكون هادفاً لاشك أنه إيجابياً .
3 – المستوى الثالث للتفكير ... ( التفكير العاطفي )
يعتبر التفكير العاطفي هو أضعف أنواع التفكير, كنا يُعتبر أخطر أنواع التفكير البشري لما له من أثار سلبية على الحياة البشرية, لأن كل القرارات الصادرة عنه لا تستند على أي أساس منطقي أو تحليلي, فالعواطف لا تصنع الأهداف المحددة مُسبقاً, بل تأتي دائماً بردود الأفعال ذات الاتجاه السلبي المغاير دائماً للمصالح المتوقعة لأن صناعة القرار عملية لا أهمية لها في هذا النوع من التفكير بسبب قصر المدى الزمني للتفكير.
4 – المستوى الرابع للتفكير (التفكير الدوني) ....
يعتبر التفكير الدوني (الرغباتي) هو أحقر أنواع التفكير البشري لأنه لا يستند إلى أي أساس سوى الرغبة في الحصول على المأكل والمشرب والجنس بهدف المتعة فقط وليس بهدف الحفاظ على النوع أو الاستمرار أو التطور في هذه الحياة فالقرار يأتي بدافع الشعور بالألم وهو شعور يجعل من صاحبه ينسى غيره.
ثانياً : ما هو التفكير الإيجابي ....
ينطلق التفكير الإيجابي من الالتزام بالثوابت فيبدأ بتحديد الهدف الذي يحكم حركة المفكر حسب الإمكانيات والقدرات المتوفرة مع الثقة العملية والفعلية بالوصول إلى مرحلة تحقيق الهدف بشكل كفؤ طبقاً للجدول الزمني, وهو الذي يرفض كل النتائج السلبية عن طريق عدم استخدام الألفاظ السلبية, فالألفاظ عند التفكير تعتبر ترجمة لما يدور في خلد المفكر الذي يؤثر على الأداء, وبالتالي فإن التفكير الإيجابي دائماً ما تدور ألفاظه حول النجاح وتسعى بصاحبها إليه بكل قوة , فالفشل ليس محطة من محطات التعلم أو التعليم, لأن التعلم والتعليم لهما أسسهما الإيجابية أيضاً.
...........
بقلم
الكاتب والشاعر هشام المصعدي
30 / 6 / 2014