قصة من الحياة.....
الحلقة السابعة.. معلم جبصين !!!
أطول ليلة سوداء عاشتها ليلى..ليلى العروس.... كانت تلك الليلة...أمضتها وحيدة على إحدى بلاطات الغرفة الباردة..روح كسيرة..قلب موجع...و دمعها الذي لا يكاد يتوقف بين الذهول والانهيار... 
فقد ماتت كل فراشات الصِبا التي عبقت بها روحها...وانطفأت نضارة الحياة في وجنتيها...وذاك البريق الذي طالما اتقد في عينيها خبا وذبل ، وودعها..إلى غير رجعة....و روح ليلى المرحة سكنت ، سكون الموت..وسكنها الى أجل غير مسمى همّ وحزن قاتلان...
في هذه الليلة الظلماء....أدركت ليلى أي مأزق صعب وضعت نفسها به...وأي مستقبل اختارته لنفسها ...و أي حزن ستعيشه و هي مازالت زهرة يانعة....
ويودعها الليل...وينبلج الصباح...و ليلى لاتزال على حالها...لم تغف عيناها لحظة واحدة...يا لها من عروس....ويا له من مستقبل يبشر بخير...ويصحو عامر...يلتفت ليرى ليلى وقد أعياها السهر...لسا مانمتي؟؟..وتجيب ليلى بتنهيدة عاجزة تتعبها : لا....
يحاول عامر جاهداً أن يلاطفها ويخفف عنها...فهي لم تزل بنظره عروساً بعد...يضمها ، وبكلمات مقتضبة يقول: طولي بالك..كلو بثوابو..ربما هذا اختبار من الله..تحملي..!!!! تكتفي ليلى بالنظر إليه بمرارة... دون أن تنبس ببنت شفة... فما عاد للكلام معنى ولا قيمة.....ولا جدوى من عتاب ولا مصارحة....فما ينفع الغريق عود خشب؟؟؟...وأي فائدة لحبة مسكن مع من يعاني مرضا خبيثا؟؟؟
يودعها عامر مطمئناً إياها أنه لن يتأخر...تغلق ليلى بابها وتوصد أقفاله الثلاثة...مضحكة أنت يا ليلى..تحدث نفسها على أي شيء تقفلين ؟؟؟على الممتلكات الثمينة في هذا البيت؟؟؟..آه والف آه منك يا ليلى... أتحرصين على عدم هروب همومك ؟؟؟ تلك الهموم التي تبدو أنها لن تفارقك لبقية حياتك البائسة...حياتك التي اخترتها أنت بمحض إرادتك...حياة لم تكن تستحق أبدا أن تهجري أهلك وبيتك وعائلتك لاجلها...لكنها مشيئة الله وقدره ، فوق كل شيء...هذا قدرك ...وعليك أن تقبليه راضية أو مرغمة...فطريق العودة قد ضاع منك بين الوهم والحقيقة... وعليك قبول واقعك المر الأليم..وحيدة بائسة....تعود ليلى لتلقي نظرة على الطفلين..كانا قد استيقظا...هي تنظر لهما..وهما ينظران...كانت نظراتهما لو ترجمت لكلمات لقالت من أنت ؟؟ و لم أنت هنا بدل أمنا؟؟؟...لكن حالهما كحالها...غرباء..جمعتهم كذبة...وفرض عليهم الظرف ان يكونوا معا..دون اختيار او رغبة.... قضت عناية الله ، أنهما سلسا المعاملة...هادئا الطباع ...يسهل العناية بهما...وليلى التي كانت أمّا ثانية لاخواتها، تعرف القليل لتقوم بمهام الأم ..رغم صغرها.... فقد امتلكت الكثير الكثير من الحنان...لتكون فعلا ظئراً رؤوماً ...فما ترددت في احتضانهما طوال الوقت ... وما منعت عنهما حنوها أبدا...
لم يكن في منزل ليلى هاتف ، أو تلفاز... ولا حتى راديو... فقد كانت مقطوعة عن العالم الخارجي فلا صوت بشر، ولا تغريدة طير..ولا حفيف شجر..يمكن أن يؤنسها حتى الوقت ماكانت لتعرفه ليلى لولا تلك الساعة الصغيرة التي أهداها إليها والدها ذات يوم...تنظر اليها خجلى..وكأنها تسمع عتاب ذاك الاب الكسير البعيد....سامحك الله يا ابنتي....
خلدون حتاحت
 

 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق