الاثنين، 12 أكتوبر 2015

قصة من الحياة... خلدون حتاحت

وترغب ليلى في كسر الصمت في بيتها ، فتطلب من عامر مسجلة صغيرة لتسمع بها القرآن ، خلال يومها الطويل الموحش... فأحضر لها تلك المسجلة مع كاسيتات كاملة للقرآن...
فكان هذا مؤنس وحشتها...
كان نزهة لم تخرج بها...
ومشواراً لم تذهبه...
وجلسة أُنس لم تجلسها...
كان فستانا...ومجوهرات...لم تحظ بها يوما...
كان عائلة حُرمت منها...
كان شبابا غضا انطفأت شمعته داخلها...
كان دنيا مبهجة لم تر من مباهجها شيئا...
كان خاتم زواج ماحظيت به أبدا...
كان...وكان.....ولم يكن شيئا...

ومضت أيام ليلى بهذا الروتين...بين صبر خجول ..وصبا منطفىء الحيوية...وأيام تتكرر دون معنى.
ومع مرور الايام تتوضح صورة عامر أمام ليلى أكثر فأكثر ...وما من جديد يطرأ على تلك الصورة لتتحسن..بل أنها تتعرى وتتعرى..لتَظهر على حقيقتها.
كان إختلاف بيئتهما...وتفاوت أوضاعهما...وتباين شخصياتهما...واضحا جدا في هذا الزواج...
ليلى في وادي...وعامر في وادٍ آخر...كل منهما بعيد كل البعد عما يستهوي الآخر.....

فالخُلقُ والتقوى الذي طالما حاول عامر أن يظهر بهما..ذهبت أدراج الرياح...فما وجدته ذاك المسلم الذي يخاف الله بتصرفاته...ولا حتى يتقي الله بها...أطباعه الرديئة ، والفاظه الفجة...مسؤوليته المحدودة تجاه البيت وتجاهها...صلاته التي لايؤديها إلا نادرا..ثقافته المعدومة..طموحه المحدود...ضيق أفقه...كلها كانت صفات لازمة له...حتى وضعه المادي السيء الذي يتدهور مع الوقت ، لينوء بأجرة البيت البسيطة...
كانت ليلى ترى في عامر مراهقا ...أكثر منه رجلا....فتصرفاته لم تكن تراها تصرفات رجل ناضج أبدا...رغم أنها تصغره بتسع سنوات أو أكثر....
ومن هذه التصرفات التي مازالت تذكرها ليلى بغصة وألم ومرارة ، شراؤه لموبايل بالتقسيط ثم بيعه بعد أيام ، ليحصل على مبلغ نقدي في يده....هذا المبلغ الذي عليه ان يسدده وزيادة... فتتراكم عليه أعباء الديون...وبالتالي ينعكس على بيته وأولاده وزوجه..
في الوقت الذي كانت فيه ليلى بأمس الحاجة لقطعة ثياب، أو كندرة ، أو حتى غطاء رأس...كانت تفتقر لأبسط حاجاتها من اللباس...وتأبى نفسها العزيزة عليها أن تطلب منه شراءها.....أما هو فلم يكن يكلف نفسه يوما ، عناء سؤالها إن كانت بحاجة لأي شي..!!
توقفت ساعة الزمن في بيت ليلى...فعامر هو هو..العامل الجاهل...معلم الحبصين...فأي شيء سيجمع بينهما و هما على طرفي نقيض..
تُسامر ليلى كتبها التي مازالت تحتفظ بها من دراستها الجامعية...تتخيل أنها تدرس لفحص عليها أن تنجح به...فقد كانت تحن لجامعتها ودراستها....وهو ...يسهر هو مع رفاقه وسيجارته..حتى بعد منتصف الليل....
رقيّها ورهافة حسها..يقابله بلادة طبعه وجهله...
كيف سيلتقيان؟؟؟

كم كانت ليلى تستفيق ليلاً وهي تصرخ..ماما ..ماما..حالمة بصدر أمها الدافىء...وهي إبنة التسعة عشر ربيعا.. فينهرها..ويتركها ليكمل نومه..
كان عامر يخرج لعمله ويسهر مع رفاقه... يرى الشمس و ضوءها ...وهي حبيسة قفصه الصدىء..لم تخرج من المنزل....قد يمضي ثلاثة أشهر أو أكثر ، وهي لاتعرف شكل الشارع...ولا ترى ضوء الشمس...
ورغم إدراك ليلى لغربتها الروحية مع عامر..إلا أنها لم تتوانَ يوماً عن دورها كربة منزل...وزوجة حانية...
فقد كانت تلك مثالياتها التي تعلمتها من أبيها....وما استطاعت رغم كل الظروف ، أن تتخلى عنها...

تدق الساعة العاشرة ليلا ويدخل عامر : والله تلفان من تعبي...العشا جاهز؟
ليلى: أهلا وسهلا..الله يعطيك العافية...جاهز...
ومع أخر لقمة..تكون عينا عامر ، العامل بالجبصين ، قد شرعت بغفوتها...ويغط بالنوم العميق...وتكمل ليلى مهمتها بالتنظيف ورعاية الطفلين..

وما أن تأوي إلى فراشها ، حتى تبدأ ذكرياتها تقض مضجعها...فلا يكاد يمر ليل دون أن تذكر أهلها ...والديها وأخواتها...أصدقاء طفولتها...حيّها الذي تقطن...مدرستها... نسمات قريتها...أشجار الجوز الاخضر والتوت ...وطيور الوروار وتغريداتها...
تتذكر سهراتها الدافئة مع أخواتها الصغار....ضحكاتهم ترن في أذنيها....شقاوتهم...صراخهم...كم تحن اليوم لمشاكساتهم...ليتها تعود...ليتهم يزعجوها كما يريدون....ليتها الان في زاوية غرفة بينهم...
مانفع التمني..وما جدوى الرجاء....ليلى أنت الان حبيسة هذا البيت البارد الأصم...وتحت أمرة من اخترتيه ليكون شريك حياتك....ويا له من إختيار...ويا لك من غبية....
وما أن يتعبها الأرق والتفكير ، حتى تغص بدموعها..بصمت...دموع لايعلم بها في ظلمة الليل إلا خالقها...دموع قهر وألم وانكسار....أتراني أستحق كل ما أنا فيه ياربي؟؟؟؟..أتراني أذنبت بحق أهلي و أنت الان تنتقم مني ياربي؟؟؟
وتغرق ليلى بأسئلة لاتجد لها جوابا... لتستسلم في نهاية الامر منهكة لنوم ثقيل..نوم تتمنى ألا يطلع فجره....أما آخر دعوة تدعو الله بها ، فهي أن ترى كل هؤلاء الأحبة الذين فقدتهم ، في الحُلم ، بعد أن عز اللقاء.....
يتبع........ ( خلدون حتاحت )

هناك تعليق واحد: