
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين عدد خلقهِ ورضاء نفسهِ وزنة عرشهِ ومداد كلماته , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم ما تسمى مخلوقٌ باسمٍ وما نطقت لسانٌ بحرف.
أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقف اليوم أمامكم كأحد الذين أفاقوا من سباتهم العميق في الحادي عشر من فبراير عام 2011م لألقي عليكم قصيدةً بعنوان أين الهوية ـ قصيدةً تتحدث عن الحالمة تعز , فالحالمة تعني القوية القادرة الحكيمة الصابرة , لذلك أرجو أن تعيروني مسامعكم جوداً وكرماً من أجل الحالمة تعز ,وفي بداية الأمر ولكي نعيش معاً في اللوحة التي رسمتها كلمات القصيدة , تعالوا لنتخيل رجلاً عاش مكافحاً شريفاً لا يكسب قوته أو قوت عيالهِ إلا بعرق جبينهِ , جواداً كريماً يمد يد العون لكل الناس في مجتمعهِ ـ علم أبناؤه وبناتهُ حتى أصبح منهم الطبيب والمعلم والمهندس ... الخ من التخصصات المختلفة ورباهم على المبادئ والقيم الإسلامية والأخلاق الحميدة , وذات يومٍ سقط الرجل مغشياً عليهِ من شدة التعب , وعندما نقل إلى المستشفى قال الطبيب أنه فارق الحياة بسبب ذبحةٍ صدرية , فدفن الرجل وهو مازال حياً , وفي منتصف الليل استطاع الخروج من قبره بعد صراعٍ مرير , ولكنهُ أصيب بفقدانٍ جزئيٍ للذاكرة , فعاش لفترة من الزمن على تلك الحالة , وعندما عادت له ذاكرتهُ هرول مسرعاً إلى بيتهِ , وكان يلقي السلام ـ يلقي السلام ـ يلقي السلام على كل الناس جميعاً , إلا أن الناس لا يردون عليه , ولم يهتموا لتحية السلام , وحينما وصل إلى بيته عرفهُ معظم أبنائه وبناته , وتنكر له بعضهم , والسبب في ذلك أنهم يزورون قبرهُ كل أسبوع ولم يشاهدوا على قبرهِ أي تغير , لأن حارس المقبرة حينما آفاق في اليوم التالي على دفن الرجل وجد قبرهُ منبوشاً فأعادهُ إلى حالتهِ حتى لا تقع عليه مسؤولية التقصير في أداء الواجب أو حتى لا يتهم بأنه قد باع الجثة.
وحينما طلب منهُ الشهادة من أجل إثبات هوية الرجل العظيم ـ أصر حارس المقبرة منكراً بنفس أسلوبهِ السابق ـ إلا أن ذلك الرجل ومعهُ معظم أبنائهِ وبناتهِ لم ييأسوا أبداً , فواصلوا السير في درب النضال من أجل إثبات هويتهِ واستعادة حقه في مجتمعه , فأعلنوا للناس جميعاً بأن الظروف الحالية لا تسمح بتحليل حمض الدي إن إيه , ولا خيار أمامهم غير نبش القبر من جديد ليثبتوا للعالم كلهِ بأن هذا القبر لا وجود لأي جثةٍ بداخلهِ ـ أتدرون من ذلك الرجل أيها الإخوة والأخوات الكرام ؟!! ـ إن ذلك الرجل العظيم هو كل من أنجبتهم الحالمة تعز من الشرفاء ـ تعز التي أنجبت الطبيب والمعلم والمهندس وكل التخصصات المختلفة , فأرسلت أبناءها وبناتها إلى جميع محافظات الجمهورية اليمنية من أجل بناء الوطن , فلم يبخلوا أبداً على الرغم من عدم امتلاكهم لأبسط مقومات الحياة الكريمة , في الوقت الذي يملك فيه دعاة السلالية والمناطقية وأصحاب المحسوبية كل شيء في هذا الوطن , وعندما هبت تعز في الحادي عشر من فبراير في العام 2011م بثورةٍ سلمية تطالب بحق الحياة والعيش الكريم والمساواة والعدالة الاجتماعية لكل أبناء اليمن , اعتبرها النظام الفاسد بأنها مارقةً وتستحق التأديب فتوالت الأحداث حتى وصل الحال إلى ما وصلنا إليه اليوم فتنكرت العديد من المحافظات لتعز وتنكر لها أيضاً بعض أبناءها , والباقي أنتم أعلم به مني ـ أما ذلك الطبيب الذي أخطأ في التشخيص عمداً أو جهلاً فكان مجلس النواب , الذي كان يستعجل دفن كل قضية وطنية ـ أما حارس المقبرة فهو الجهاز الأمني التابع للنظام , والذي كان يدفن الناس من ذوي الكفاءات والمؤهلات العلمية بالحياة لكي يصبحوا إما تابعين له أو مجرد أعداداً زائدة لا تمتلك أي حق وكأنهم كما قال الأستاذ عبد الله البردوني
يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمني
وبالتالي لم يكن أمام الحالمة تعز وكل من أنجبتهم من أبنائها وبناتها الشرفاء إلا أن يحملوا كل أسلحتهم الفكرية والعسكرية في معركة الكرامة واستعادة الحقوق المسلوبة ومن أجل إثبات الهوية الحقيقية.
والآن تعالوا لنسمع كلمات القصيدة التي تحكي عن هذه القصة
................
أين الهوية
أدعــو لك الله أم أشكــوكَ يا وطني
أهوى الترابَ وما لـي فيكَ من سكنِ
أهنتُ عندكَ وعندي أنت لــــــم تهنِ
هتفتُ باسمكَ يا جـرحـــي أتسمعني
منذُ الطفولة لـــم أعشق سوى اليمنِ
واليـــــوم ذنبـي إذا نوديتُ يا يمنــي
قررتُ هجــركَ وفيكَ القلب عـاتبني
حتى شعرتُ بأن النبض خــاصمني
حملتُ عــودي لعــــل العود يحملني
مـا لـــي أرى الناس تأبى أن تُحدثني
واقرب الناس بات اليـــــــوم يُنكرني
كــأننــي جئتهـــم من غـــــابر الزمنِ
أو أنني عُدتُ من قبــــري بلا كفنــي
أين الهــــوية فـــي ريفي وفــي مدني
رجعتُ للقبـــر عــل القبر يعــرفنـــي
سمعتُ قبري كباقي الناس يســـــألني
أين الهــــوية فـــي صنعاءِ فـــي عدنِ
بحــــق ربـــــي أفيــــكم من يُفهمنــي
يُشـكُ فيَّ ومــــا من شـك ســـاورني
يُشـك فيَّ كــأني لــــــــــم أعد وطني
مرضٌ وفقــــرٌ بقيد الجهــــــل كبلني
حرفي رصاصي سيُردي ذلك الوثني
قلمي سلاحي مهمــا الجهــل حاربني
ولستُ أخشـى متـى خصمي سيقتلني
الحمد لله رب العـــــــرش كرمنــــي
من بعد خلقي بروح الحـــرف علمني
لسنة المصطفــى المختــار ألهمنـــي
من يتبع قــولـــهُ مـــــا ضـــل بالفتنِ
صــلاة ربـــي على المختار ترشدني
أنت بلادي لأنـــــي ذلك الوطنـــــي
بنتُ المظفر وابنــــي اسمــهُ اليمنــي
تعز الهــوية برغـم الحـرب والحـزنِ
يمنية الهـــوية برغــم الظـــالم العفنِ
سليلة المجــــد حتــى أخـــــر الزمنِ
ولائــي لله رب العــــرش يرحمنــي
....................
بقلم الشاعر والكاتب أ/هشام ذياب المصعدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق