خامساً:ـ [أي: السبب الخامس من أسبابِ التّيهِ الثَّقافيِّ، هو]:
========================
غياب القدوة والمُثل العليا والرموز الثقافية والاجتماعية والسياسية:
--------------------------
يقع بعض الناس في خطإ جسيم لاعتقادهم بأنه يمكن الفصل بين الثقافة وبين نواحي الحياة الأخرى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية وغيرها، ويربطون بين كلمة (ثقافة) وكلمة (معرفة) بطريقة توحي بأن هناك وحدة في المعنى، وبعضهم يربط بين الثقافة والفكر أو العلم بصورة إجمالية. والخطأ ليس في عملية الربط، لأن العلاقة موجودة بدون شك، وإنما الخطأ في الاعتقاد بأنها هي العلاقة الكاملة والوحيدة إلى درجة توحي بأنهما موضوع واحد، أو أن الثقافة تدين بوجودها كله للناحية المعرفية المتقدمة عند الإنسان، وهذا مخالف لحقيقة كونها أسلوب حياة يقوم على أفكار ومعتقدات ومفاهيم وقيم خاصة بمجتمع من المجتمعات البشرية بغض النظر عن درجة تقدمه حضارياً أو تخلفه.
وانطلاقاً من هذا، فالثقافة لا يمكن أن تنفصل عن نشاطات الإنسان في المجالات العديدة التي يمارس فيها نشاطه، ويتبع ذلك أن الإنسان الفرد من الأجيال المتجددة في المجتمع يولد فيجد أمامه قدوته الحية المباشرة التي يتلقى منها الأفكار والمعتقدات بأشكالها وأنواعها، ويقلد تلك القدوة في سلوكه العملي في البيت وفي المدرسة وفي الشارع وفي كل مكان يعيش فيه هذا الناشئ. ومن الطبيعي أن تكون القدوة في هذه المرحلة العمرية من داخل الأسرة، خصوصاً أحد الوالدين أو مَن في مقامهما.
وأثناء تلقي الطالب للعلم في المدرسة وفي الجامعة يكون في طور بناء الناحية المعرفية من نسيج ثقافته العامة، وهو أحوج ما يكون إلى المثل العليا التي يقتدي بها في كل الميادين، وغالباً ما يكون المثل الأعلى في هذه المرحلة مكوناً من قسمين: الأول هو القسم الحي المتحرك ويتمثل في أستاذه الذي يتلقى على يديه العلم، والقسم الثاني هو المثل الأعلى النظري أو التاريخي، ويكون في العادة مثلاً أعلى مركباً؛ بمعنى أنه يتكون من عدة أشخاص كل منهم رمز في موضوع معين: فحاتم الطائي مثلاً رمز الكرم وعنترة بن شداد رمز الشجاعة، والأحنف بن قيس رمز الحلم...إلخ. ولا شك أن اختيار الإنسان لمثله الأعلى له أهمية كبيرة في مساعدته على بناء شخصيته بشكل سوي، لأنه يضع في ذهنه نموذجاً يحاول الارتقاء إليه بالعمل الجاد. ومن هذا كله يبرز أمامنا دور المناهج التربوية والتعليمية التي تتم تنشئة الأجيال طبقاً لها، كما تبرز المسئولية الجسيمة التي تقع على عاتق كل دولة عربية في توجيه أجيال مجتمعها توجيهاً سليماً منفتحاً على المثل العليا المشتركه بين كل العرب والمسلمين، ومراعياً لمنظومة القيم الأخلاقية والدينية التي تعمل على تعميق إيمانهم بقيمتها في مساعدتهم على اختيار النموذج الأمثل من السلوك العملي ليعيشوا الحياة المعتدلة المتوازنة بين ما يصادفونه من المتناقضات.
والسؤال الذي يبرز أمامنا هو: ماذا يحدث عندما لا يستطيع الطفل أن يجد القدوة العملية الصالحة؟ وماذا يحدث للطفل عندما لا يستطيع أن يجد المثل الأعلى أو الرمز الذي يوحي إليه بالطمأنينة ويجعله يختار طريقه بسهولة؟
لا شك أن الجواب واضح؛ فمن كان يسير في طريق لا يرى في نهايته نوراً واضحاً فسوف يظل حائراً ومتخوفاً من عثرات هذا الطريق ومن مفاجآته التي هي آتية لا محالة، وهل التيه شيء آخر غير هذا؟....
****************************
الشاعر حسن منصور
[مقتطف من كتابي: (التّيه الثقافي العربي ـ تحليل للخطاب الثقافي المعاصر) وهو الكتاب الحادي عشر من سلسلة الحضارة والفكر : ص 264 ـ ط1ـ 2015م . دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع ـ عمّان ]
========================
غياب القدوة والمُثل العليا والرموز الثقافية والاجتماعية والسياسية:
--------------------------
يقع بعض الناس في خطإ جسيم لاعتقادهم بأنه يمكن الفصل بين الثقافة وبين نواحي الحياة الأخرى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية وغيرها، ويربطون بين كلمة (ثقافة) وكلمة (معرفة) بطريقة توحي بأن هناك وحدة في المعنى، وبعضهم يربط بين الثقافة والفكر أو العلم بصورة إجمالية. والخطأ ليس في عملية الربط، لأن العلاقة موجودة بدون شك، وإنما الخطأ في الاعتقاد بأنها هي العلاقة الكاملة والوحيدة إلى درجة توحي بأنهما موضوع واحد، أو أن الثقافة تدين بوجودها كله للناحية المعرفية المتقدمة عند الإنسان، وهذا مخالف لحقيقة كونها أسلوب حياة يقوم على أفكار ومعتقدات ومفاهيم وقيم خاصة بمجتمع من المجتمعات البشرية بغض النظر عن درجة تقدمه حضارياً أو تخلفه.
وانطلاقاً من هذا، فالثقافة لا يمكن أن تنفصل عن نشاطات الإنسان في المجالات العديدة التي يمارس فيها نشاطه، ويتبع ذلك أن الإنسان الفرد من الأجيال المتجددة في المجتمع يولد فيجد أمامه قدوته الحية المباشرة التي يتلقى منها الأفكار والمعتقدات بأشكالها وأنواعها، ويقلد تلك القدوة في سلوكه العملي في البيت وفي المدرسة وفي الشارع وفي كل مكان يعيش فيه هذا الناشئ. ومن الطبيعي أن تكون القدوة في هذه المرحلة العمرية من داخل الأسرة، خصوصاً أحد الوالدين أو مَن في مقامهما.
وأثناء تلقي الطالب للعلم في المدرسة وفي الجامعة يكون في طور بناء الناحية المعرفية من نسيج ثقافته العامة، وهو أحوج ما يكون إلى المثل العليا التي يقتدي بها في كل الميادين، وغالباً ما يكون المثل الأعلى في هذه المرحلة مكوناً من قسمين: الأول هو القسم الحي المتحرك ويتمثل في أستاذه الذي يتلقى على يديه العلم، والقسم الثاني هو المثل الأعلى النظري أو التاريخي، ويكون في العادة مثلاً أعلى مركباً؛ بمعنى أنه يتكون من عدة أشخاص كل منهم رمز في موضوع معين: فحاتم الطائي مثلاً رمز الكرم وعنترة بن شداد رمز الشجاعة، والأحنف بن قيس رمز الحلم...إلخ. ولا شك أن اختيار الإنسان لمثله الأعلى له أهمية كبيرة في مساعدته على بناء شخصيته بشكل سوي، لأنه يضع في ذهنه نموذجاً يحاول الارتقاء إليه بالعمل الجاد. ومن هذا كله يبرز أمامنا دور المناهج التربوية والتعليمية التي تتم تنشئة الأجيال طبقاً لها، كما تبرز المسئولية الجسيمة التي تقع على عاتق كل دولة عربية في توجيه أجيال مجتمعها توجيهاً سليماً منفتحاً على المثل العليا المشتركه بين كل العرب والمسلمين، ومراعياً لمنظومة القيم الأخلاقية والدينية التي تعمل على تعميق إيمانهم بقيمتها في مساعدتهم على اختيار النموذج الأمثل من السلوك العملي ليعيشوا الحياة المعتدلة المتوازنة بين ما يصادفونه من المتناقضات.
والسؤال الذي يبرز أمامنا هو: ماذا يحدث عندما لا يستطيع الطفل أن يجد القدوة العملية الصالحة؟ وماذا يحدث للطفل عندما لا يستطيع أن يجد المثل الأعلى أو الرمز الذي يوحي إليه بالطمأنينة ويجعله يختار طريقه بسهولة؟
لا شك أن الجواب واضح؛ فمن كان يسير في طريق لا يرى في نهايته نوراً واضحاً فسوف يظل حائراً ومتخوفاً من عثرات هذا الطريق ومن مفاجآته التي هي آتية لا محالة، وهل التيه شيء آخر غير هذا؟....
****************************
الشاعر حسن منصور
[مقتطف من كتابي: (التّيه الثقافي العربي ـ تحليل للخطاب الثقافي المعاصر) وهو الكتاب الحادي عشر من سلسلة الحضارة والفكر : ص 264 ـ ط1ـ 2015م . دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع ـ عمّان ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق